محاولة في فقه النص والحدیث:فضل القناعة وهي الخیر کله، ونبذ الطمع

يقول الله تعالى: «ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى»

موقع رهبویان قم الاخباری/ثقافه وفن :محاولة في فقه النص والحدیث
*فضل القناعة وهي الخیر کله، ونبذ الطمع*
يقول الله تعالى: «ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى»
سورة طه، ۱۳۱
قال الطوسي في التبيان: ‘نهى الله تعالى نبيه محمداً (صلى الله عليه وسلم) والمراد به جميع المكلفين عن ان يمدوا أعينهم، وينظروا إلى ما متع الله الكفار به، من نعيم الدنيا ولذاتها، والامتاع الالذاذ بما يدرك، وذلك بما يرى من المناظر الحسنة ويسمع من الاصوات المطربة، ويشم من الروائح الطيبة، يقال: أمتعه إمتاعاً، ومتعه تمتيعاً، إلا ان فى متعه تكثر الامتاع.
وقوله { أزواجاً منهم } معناه أشكالا منهم، من المزاوجة بين الاشياء، وهي المشاكلة، وذلك أنهم اشكال في الذهاب عن الصواب. وقوله { زهرة الحياة الدنيا } فالزهرة الأنوار التي تروق عند الرؤية، ومن ذلك قيل للكوكب يزهر، لنوره الذي يظهر. والمعاني الحسنة زهرة النفوس.
وقوله { لنفتنهم فيه } معناه لنعاملهم معاملة المختبر، بشدة التعبد فى العمل بالحق فى هذه الأمور التي خلقناها لهم.
وقوله { ورزق ربك } يعني الذي وعدك به فى الآخرة من الثواب { خير وأبقى } مما متعنا به هؤلاء فى الدنيا.’
وفي عرائس البيان: ‘ان الله سبحانه البس الكون انوار بهائه فصرف نظر نبيه عن ذلك حتى ينظر اليه صرفا بلا واسطة ألا ترى الى قوله الم تر إلى ربك ولأن روحه كان عاشقا بالله مستأنسا بكل شئ مليح وبان نظره اعظم من ان ينظر به الى شئ دون الله قال الواسطى هذه تسلية للفقراء وتعزيه لهم حيث منع خير الخلق عن النظر الى الدنيا على وجه الاستحسان ثم بين ان ما له من المكاشفة والمشاهدة والقربة والرسالة بلا واسطة خير مما كان له فى رؤية الكون بقوله { وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } رزقه وصاله وكشف جماله.’
من خلال من تقدم من تفسير الايات نستكشف أن النظر الى كل ما في الكون من بهاء وازهار، ينبغي أن يقع في اطار نظرة توحيدية تستجمع الخضوع لله تعالى، والتزام ادبه لرسوله (ص) واوليائه (ع)، مما يستلزم قطع الطمع عما في ايدي الناس، وتفهم أن كل شئ في خزائنه بيد الله تعالى.

قال الامام السجاد عليه السلام: “رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في ايدي الناس.” بحار الانوار، ج. ٥٢,ص.٢

في هذه الرواية عن الامام السجاد (عليه السلام) يعلمنا ان الخير هو في الزهد عما في ايدي الاخرين، والاعتماد فقط على الله تعالى. هو بهذا قد عرفنا ان اساس المشكلة هي الطمع في ما في ايدي الناس، والخير يكون في قطع ذلك بالتمام. بهذا يمكن ان يتحصل الخير كله. هذا ولكن قد يطرح السؤال نحن نعلم ان الله تعالى قد جعل الله لكل شيء واسطة، والوسائط دائما بيد الخلق، اعني الناس، فكيف نقطع الامل عن الاخرين؟ والحال ان هذه الوسائط هي التي جعلها الله تعالى كذلك؟
الجواب، يبقى الاعتماد على الله تعالى، وليس على الوسائط. من هنا لا يخرج عمل المؤمن عن حدوده الشرعية، ولا يتجاوز الامر -من الناحية الأخلاقية- الى الطمع. إذ يبقى المؤمن متوكلاً على ربه، متجرداً عن الطمع الذي قد يجرد الانسان عن ادميته، ويجعله عبداً الى غيره، ويخرجه عن حدود الشرعية والأخلاقية. ما يذكر الامام السجاد (عليه السلام) به انه على المؤمن ان لا يكون طماعا وانما يكون متأملاً لرحمة الله تعالى، ومتوكلاً عليه فحسب.

*تطبيق من الحياة*
ان حياتنا العملية الايمانية تفرض علينا تفهم ان هناك فرقا بين التوكل وبين الامل برحمة الله تعالى ولذا يمكن تحققه من الوسائط، وبين ان يكون الاعتماد فقط على تلك الوسائط المحدودة، دون رحمته تعالى.

آیت الله علي الحكيم