محاولة في فقه النص والحدیث *كفارة الغيبة*

يقول القران الكريم: "...وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ." (سورة الحجرات، الاية 12)
موقع رهبویان قم الاخباری/ثقافه وفن :محاولة في فقه النص والحدیث *كفارة الغيبة* يقول القران الكريم: “…وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ.” (سورة الحجرات، الاية ۱۲) في خواطر الشعراوي: ‘نَهْي عن الغيبة عموماً، لأن القرآن لم يحدد مَنْ يغتاب ومَنْ يغتاب فيه.
” ولما سُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة قال: ذِكْرك أخاك بما يكره وهو غائب. فقال السائل: فإن كان في أخي ما أقول؟ قال: إنْ كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإنْ لم يكُنْ فيه ما تقول فقد بهته، أي: افتريتَ عليه وكذبتَ “. ثم يعطينا القرآن صورة حسِّية للغيبة، فيقول: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ.. } [الحجرات: ۱۲]
تأمل كم في هذه الصورة من منفرات تبين فظاعة هذا العمل، فالذي يغتاب أخاه في غيبته كالذي يأكل لحمه وهو ميت. أي: غائب عن الحياة ولا يقدر أنْ يدافع عن نفسه. إذن: شبّهه بصورة شنيعة تنفر منها النفس السوية. وقالوا: إن سبب نزول هذه الآية أنها نزلتْ فى الوليد بن عقبة ابن أبي معيط حينما بعثه رسول الله لجمع أموال الزكاة من بني المصطلق، وكان عليه لهم دية في الجاهلية، فلما رأوْه خرجوا لمقابلته، فخاف منهم الثأر وعاد إلى رسول الله، وقال: إنهم امتنعوا عن دفع الزكاة.’
وهنا نقل يتبين منه مدى خبث بعض الصحابة، بل واستحكام بعض قيم الجاهلية واحقادها في قلوبهم الى ما بعد الاسلام بحيث قد إفترى عليهم.. مع ذلك نجد بعض المغفلين يعتقدون بطهارة -اي صحابي- من كل ذنب، ويعتقدون بعصمة كل الصحابة! الحال أنه قد بينت الاية قبح فعله، فتجب عليه التوبة، والاستغفار عن هذا الذنب العظيم. عن رسول الله (صلى الله عليه واله) أنه قال وقد سئل عن كفاره الاغتياب: “تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته.” الكافي، ج۲، ص. ۳۵۷، ح.۵
نحن نعرف أن الاغتياب فيه انتهاك لحقوق الاخرين، فكيف أصبحت الكفارة أيضا عن ذلك، بالاستغفار لمن اغتيب؟ لعل السبب في ان الكفارة لمن تم اغتيابه ستكون هكذا:- ألف- الغيبه فيها عدة جوانب، قسم منها يتعلق بحق الله تعالى وهذا لابد فيه من الاستغفار والتوبه الى الله تعالى. ولا بحث لنا في ذلك. ب ـ وقسم منها يتعلق بحق البشر والمؤمنين. وهنا اما ان يتم الاستيهاب منهم مباشرة وطلب الموهبة والحلالية وكرام الناس عادة ما يغفرون لمن استغابهم.
هذا ولكن بعض الناس ممن لا يتحملون ذلك! فقد تزداد العلاقة سوءا معهم حينما يعلمون بذلك، لذا لا داعي لطلب الاستيهاب، اذا علم الشخص أن الأمور ستتفاقم وتزداد سوء. والافضل ما شرحته هذه الروايه من الاستغفار له لا غير، فهذا ما يؤدي نفس الغرض تقريبا، ويجعل الطرف مغفور المذنب ببركة دعاء المذنب بحقه، فتشملهم الرحمة الإلهية.. لكن تجدر الاشارة الى ان هذا الحل، هو فيما لو تعطلت السبل، ولم يمكن الوصول الى حل أو تسوية أفضل كما ذكرنا. *تطبيق من الحياة* إن اساس التفرقة بین المؤمنين هو حكم الشيطان، وهو إنما يتمكن من الجماعة المؤمنة من خلال الاغتياب وتسقيط بعضهم البعض. الواجب هو التحرر من ربقته، وهذا أدنى الواجب.
*ذنب المستمع للغيبة* يقول القران الكريم: ‘وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }. سورة الحجرات، الاية ۱۲ في مجمع البيان للطبرسي: ‘قوله { ولا يغتب بعضكم بعضاً } الغيبة: ذكر العيب بظهر الغيب على وجه تمنع الحكمة منه وفي الحديث: ” إذا ذكرت الرجل بما فيه مما يكرهه الله فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه ” وعن جابر قال قال رسول الله (ص): ” ” إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا ” ثم قال: ” إن الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه “. ثم ضرب سبحانه للغيبة مثلاً فقال { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً } وتأويله إن ذكرك بالسوء من لم يحضرك بمنزلة أن تأكل لحمه وهو ميت لا يحسّ بذلك عن الزجاج ولما قيل لهم أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً قالوا لا فقيل { فكرهتموه } أي فكما كرهتم ذلك فاجتنبوا ذكره بالسوء غائباً عن مجاهد.’ هذه الايات مع تفسيرها تعطينا صورة واضحة عن مدى قبح الغيبة، ودرجة تأثيرها الضارة على المجتمعات المؤمنة.. في الحديث النبوي: ‘المستمع احد المغتبين، وعن الامام علي (عليه السلام): السامع أحد المغتابين.’ راجع شرح الأربعين حديثا، الإمام الخميني، ص. ۳۴۹، من موسوعته، سنة ۱۴۰۹ ه.ق.

لماذا جعل السامع كالمغتاب؟ هناك عدة تخريجات لذلك. الاول: يمكن لكونه باستماعه له يشجعه على ذلك الذنب! ولذلك اعطى الاثم على ذلك كما لو كان هو المغتاب. الثاني: سوف يشارك بعدها في استمرار هذه السلسلة وقد ينقل الشيء الى الاخرين، أن كان متفاعلا مع المحتوى. واما ان لم يكن متاثرا بالفعل، سيكون معرضا لنفسه بالتاثير فهو متاثر لا بالفعل وانما بالقوة، وسيقع في نفس الهوة. *والاحتمال الثالث: هو لكون الغيبة تشتمل حقيقة، على عنصرين او موضوعين لابد من تحققهما وبدون ذلك لا تتحقق، فالاول هو المغتاب، والسامع هو العنصر الثاني الذي به تكتمل حقيقة الغيبة ومصداقها. هذا كله بناء على قراءة (المغتابين) بنحو المثنى، واما لو قرأناه بعنوان جمع المذكر السالم، فسوف يشكل مجموعة تتشارك في الأثم في نهش لحم اخيهم ميتا.. أفهل نحن منتهون؟ *تطبيق من الحياة* إن الغيبة هي ذنب اجتماعي يرجع ضررها على المجتمع ككل، وهي مصداق واضح لايقاع العداوة والبغضاء والكراهية بين المؤمنين. لذلك لا تجد جماعة مؤمنة متحابة أو متآلفة في الود ابدا، اذا تفشت بينهم الغيبة..
آیت الله علي الحكيم